السؤال: نحن في أمس الحاجة إلى التوحد والاجتماع والتآلف وتوحيد الصف وجمع الكلمة، كيف لا ونحن نرى الأعداء يتوحدون علينا بالرغم من اختلافهم فيما بينهم، فما السبل المناسبة التي نسلكها للم الشمل وتوحيد الصف؟
الجواب: لا شك أن التوحد هو في ذاته انتصار، لو استطعنا أن نتوحد فنحن منتصرون، انظر إلى جماعة مسجد يكونون على قلب رجل واحد، هذا يكون متميزاً جداً عن بقية المساجد، أو جيران يلتقون وقلوبهم متوحدة، أو إدارة حكومية موجودة، أو مدرسه فيها إحدى عشر أو اثنا عشر مدرساً وقلوبهم واحدة، شيء متميز جداً جداً؛ لأن التوحد في ذاته انتصار على الهوى وحظ النفس.
إذا أنا تنازلت عن رغبتي وشهوتي وإرادتي، وجعلت أخي هذا هو الذي يقودني وهذا الأخ يوجهني ولم أبال، في الحقيقة هذا انتصار، وهذا الانتصار يؤدي إلى انتصار على العدو، ولذلك يحب الله سبحانه وتعالى هؤلاء المؤمنين الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، ولأنهم انتصروا سينصرهم الله سبحانه وتعالى.
والتوحد لا يكون إلا بإخلاص النية لله، كفانا تمزقاً، كفانا الأطر الضيقة، قد تكون في وقت من الأوقات مضطراً إلى عشيرتك، وإلى قبيلتك، وإلى حارتك، لكن الآن وقد جعلنا العدو في خندق واحدٍ؛ فلا بد أن نكون يداً واحدة، وأن نجعل أهدافنا واحدة، بإذن الله تبارك وتعالى.
وهذا لا كما يظن البعض نصبح رأياً واحداً يعني: عمي، إذا قال منا شخص كلمه كلنا نقول: نعم من أجل ألا نختلف، لا، هذا ليس صحيح، نبحث عن الصواب ونعمل به، وإذا تعددت الاجتهادات فأحمل رأي أخي وموقفه على أحسن محمل، وأقول: لعله اجتهد ولعل الصواب معه، لكن أنا رأيي كذا وكذا، ثم إذا عملنا نعمل يداً واحدة، بدأنا نعمل على رأي أخي أترك رأيي وأنساه وأبدأ أعمل على رأي أخي وأتوكل على الله، وأقول: لعل هذا هو الخير ولا أتعصب له.. وهكذا، التوحد يحتاج إلى إرادة وعقيدة إيمانية، واحتساب وقربى إلى الله عز وجل، تقرب إلى الله بأن تجتمع صفوف هذه الأمة، وأي سبيل يمكنك من خلاله توحيد الصفوف فادخل منه، حتى لو تحايلت عليه، حتى نص العلماء على أن بعض الأعمال يُراعى في العمل به أو عدمه توحد أو اجتماع قلوب الناس، وهذا من أيام الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
لما كان
عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه يرى وجوب القصر في الحج و
عثمان أتم فصلى
ابن مسعود وأتم، فقيل له: لماذا؟ قال: إن الخلاف شر، فنحن نوافق في هذا وإن كنا نعتقد أن هذا كذا..
في بعض البلاد الإسلامية يصلون مسبلي اليد، هذا أمر الحمد لله لا يؤثر في الصلاة ولا يفسدها، صل هكذا حتى تتآلف قلوبهم على التوحيد والإيمان والجهاد والأمور العظيمة، لو جعلت المعركة معركة اليد ما انتهت، إذا كان من الدين أمر يؤخر أو يؤجل وهو من الدين يؤجل من أجل مصلحة التآلف والتقارب، إذا كان الهجر وزجر المبتدع... يعني إذا وجدنا أن قتل المبتدع أو الزنديق يؤثر في الاجتماع سنؤجله أو لا نفعله، فكيف بما دون ذلك، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تقتلهم، وهم رؤساء النفاق الذين أرادوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أعظم شر، أن يغتالوه، قال: {
لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} أي: نبقى يداً واحدة.
صحيح أنه لما ذهب إلى حرب الروم كان
عبد الله بن أبي وكان المنافقون وكانوا.. وكانوا.. كأنهم ضد الروم ومع الروم، لكن الحمد لله هذا جيد لأنه في نظر الروم يبقى معنا، وإن كان هم في الحقيقة الذين قال الله فيهم: ((
هُمْ الْعَدُوُّ))[المنافقون:4] أي: أخطر من أولئك، لكن دعه معنا.
هذه المسألة تحتاج إلى فقه دعوي، لا يكون اجتماعنا اجتماع مشاعر وعواطف فقط، ولا أيضاً نهمل الحق ولكن نبنيه على مصلحة ومفسدة، فتراعى المفاسد والمصالح الشرعية، التي لمصلحة الدين والإيمان لا لهوى النفس ولا لحظوظها.